mercredi 3 février 2010

اللباس الشرعي

اللباس الشرعي يجذب اهتمام عالم الموضة والأزياء في أوروبا
يرتدين سراويل الجينز الضيقة ويلبسن الأثواب والحجاب الملفوف بعناية. جيل من الشابات المسلمات في طريقهن للتوفيق بين مبادئ حضارتين يضعن بصماتهن على ثقافة الشارع الأوروبي ويؤثرن على الاتجاه السائد للموضة فيه. إنهن بنات المهاجرين المسلمين إلى أوروبا من تركيا أو المغرب وكل البلاد العربيه والاسلاميه ويقلن إنهن مهتمات بالأناقة بقدر اهتمامهن بالالتزام بالزي الاسلامي ويسعين لمزج الأناقة المعاصرة مع خلفيتهن الدينية والعرقية.
وعن بصمات اللباس الإسلامي في الموضة الأوروبية تقول ماهيكا التي تعيش في باريس وتبلغ 24 عاما "اتش اند ام وكل المتاجر الفرنسية أخذت خطوط أزيائنا". فهي ترى أن التأثير الاسلامي يظهر أيضا في الاتجاه الحالي لارتداء الأثواب على سراويل الجينز وارتداء أكثر من طبقة من الملبوسات النسائية. لكن ما يعتبره البعض تأثير موضتهم وطريقة لباسهم في البلدان الأوروبية التي يقطنون بها تنفيه جهات أخرى. لذا قالت المتحدثة باسم شركة "هينيس اند موريتس" أن مجموعات أزياء الموسم الحالي لم تستلهم خطوط الأزياء الاسلامية على وجه خاص.
رغبة في الحفاظ على الهوية
كثير من الفتيات المسلمات يفضلن التوفيق بين الأصالة والمعاصرة أما من ناحية أخرى فقد بات في نظر ماهيكا التسوق لشراء الملابس الملائمة أكثر سهولة. فالشابات المسلمات أصبح في رأيها بمقدورهن شراء كل مستلزماتهن من الملابس من المتاجر الرئيسية إذا أردن ذلك. واتفق معها في الرأي الكثير من نظيراتها.
فبشرى سيد، وهي إحدى الطالبات في مدينة روتردام الهولندية، ترى أنه بالفعل لم تعد هناك ثمة صعوبة للعثور على الملابس التي تلائمها كون متاجر البلد تضم كل أصناف الأزياء. وفي هذا السياق قالت: "الأمر يتعلق بالتوفيق الملابس وقد أصبح أكثر سهولة لأنك ترى تأثير موضتنا على الخط العام للموضة". وأضافت قائلة: "أنا مسلمة لكنني أيضا مهتمة بالموضة وأريد دمج كل هذه الأشياء". وترتدي بشرى حجابا بنيا داكنا تلفه بعناية حول رأسها ورقبتها وقميصا لونه أزرق داكن وسترة بلا أكمام من قماش التويد الرمادي وتنورة تنسجم معها تصل الى الركبة فوق سروال من الجينز.
الأصالة والمعاصرة
غير أن رؤية بشرى تبتعد بشكل شاسع عن الثوب الأسود الفضفاض وأغطية الرأس الطويلة التي ترتديها النساء المسلمات الأكثر تقليدية التي تخفي تماما معالم الجسم، فضلا عن مساهمتها في إصدار مجلة "ام.اس.ال.ام" المخصصة لأزياء المسلمات. المجلة تصدر باللغات الهولندية والفرنسية والإنجليزية وتهدف الى مساعدة الفتيات المسلمات على ارتياد عالم الموضة والأزياء بما يتفق مع أسلوبهن عن طريق عرض أساليب جديدة لتغطية الشعر منها قبعات البيسبول أو القلنسوات او الأوشحة القصيرة المطرزة. كل ذلك يشير إلى رغبة عدد من الفتيات المسلمات في أوروبا إلى التوفيق بين الأصالة والمعاصرة بشكل يسمح لهن حسب رأي إحدى مصممات الأزياء الهولنديات ايزيس فاندراجر استكشاف الحدود بشأن ارتداء الحجاب والتمتع بالجاذبية في نفس الوقت. فبحسب منظورها تحاول هؤلاء الفتيات تعويض ارتداء الحجاب بمظهر شديد الجاذبية وأسلوب تجميل معبر وكعوب أعلى.
الموضة الإسلامية والفرصة الاقتصادية
كما نظمت النساء الخمس اللواتي يشرفن على إصدار مجلة "ام.اس. أل. ام" معرضا للأزياء في روتردام صاحب صدور المجلة عُرضت فيه أزياء من ابتكار مصممين هولنديين مع الحفاظ على سمات الملبس الاسلامي. عُرض على دمية العرض ثوب أسود بشريط محكم على الرقبة بلا ظهر ولا أكمام، يلبس تحته لباس ضيق من الدانتيل الأسود يغطي الظهر والذراعين والقدمين. . وقالت المصممة الهولندية مادا فان جانز وهي تبتسم "أرى فتيات مسلمات يرتدين ملابس ضيقة للغاية هذه الأيام ففكرت لم لا أصنع لباسا تحتيا ضيقا". وقد ضمت أروقة المعرض أيضا سراويل جينز من تصميم شركة صنع الملابس الإيطالية "القدس" وهي مصممة خصيصا للمسلمات بقصة فضفاضة وكثير من الجيوب مما يجعل استخدامها أيسر أثناء الركوع والسجود في الصلاة وحفظ الساعات والحلي أثناء الوضوء. وفي هذا الصدد قالت سوزانا كافالي مديرة الشركة وصاحبة هذه العلامة التجارية "لا يقتصر شراء سراويل الجينز على المسلمات وحدهن الان، إنه منتج جيد في مجال الموضة في المقام الاول. وهذا يعني ان نطاق جمهورنا يتنامى".
وتعتقد النساء الخمس اللاتي وقفن خلف اصدار مجلة "ام.اس.ال.ام" والعرض المصاحب لها أن أزياء المسلمات في اوروبا قد تؤثر يوما على نساء الشرق الأوسط وإن كان ذلك لن يحدث الآن. إذ يظهر عدد الشابات المسلمات في معرض أزياء أقيم في اطار مؤتمر سنوي للمسلمات الفرنسيات في باريس الاهتمام بخطوط الموضة من الشرق الأوسط، حيث لا يزال الاهتمام مرتفعا بالثوب التقليدي
..

lundi 1 février 2010

التحذير من عقوق الوالدين وقطيعة الرحم

عقـــــــوق الوالدين
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد : فمن الظواهر السيئة ما نراه هذه الأيام من كثير من الأبناء من العقوق للوالدين ، وما نشاهده بين الأقارب من القطيعة ، وفيما يلي كلمات سريعة في التحذير من عقوق الوالدين والحث على برِّهما ، والتحذير من قطيعة الرحم وبيان الآداب التي ينبغي أن تراعى مع الأقارب ، نسأل الله أن ينفع بها .
أولاً : التحذير من عقوق الوالدين والحث على برهما
من صور العقوق :1- إبكاء الوالدين وتحزينهما بالقول أو الفعل .2- نهرهما وزجرهما ، ورفع الصوت عليهما .3- التأفف من أوامرهما .4- العبوس وتقطيب الجبين أمامهما ، والنظر إليهما شزراً .5- الأمر عليهما .6- انتقاد الطعام الذي تعده الوالدة .7- ترك الإصغاء لحديثهما .8- ذم الوالدين أمام الناس .9- شتمهما .10- إثارة المشكلات أمامهما إما مع الأخوة ، أو مع الزوجة .11- تشويه سمعتهما .12- إدخال المنكرات للمنزل ، أو مزاولة المنكرات أمامهما .13- المكث طويلاً خارج المنزل ، مع حاجة الوالدين وعدم إذنهما للولد في الخروج .14- تقديم طاعة الزوجة عليهما .15- التعدي عليهما بالضرب .16- إيداعهم دور العجزة .17- تمني زوالهما .18- قتلهما عياذاً بالله .19- البخل عليهما والمنة ، وتعداد الأيادي .20- كثرة الشكوى والأنين أما الوالدين .
الآداب التي ينبغي مراعاتها مع الوالدين :1- طاعتهما بالمعروف ،والإحسان إليهما ، وخفض الجناح لهما .2- الفرح بأوامرهما ومقابلتهما بالبشر والترحاب .3- مبادأتهما بالسلام وتقبيل أيديهما ورؤسهما .4- التوسعة لهما في المجلس والجلوس ، أمامهما بأدب واحترام ، وذلك بتعديل الجلسة، والبعد عن القهقهة أمامهما ، والتعري ، أو الاضطجاع ، أو مد الرجل ، أو مزاولة المنكرات أمامهما ، إلى غير ذلك مما ينافي كمال الأدب معهما .5- مساعدتهما في الأعمال .6- تلبية ندائهما بسرعة .7- البعد عن إزعاجهما ، وتجنب الشجار وإثارة الجدل بحضرتهما .8- ان يمشي أمامها بالليل وخلفهما بالنهار .9- ألا يمدَّ يدَه للطعام قبلهما .10- إصلاح ذات البين إذا فسدت بين الوالدين .11- الاستئذان عليهما حال الدخول عليهما ، أو حال الخروج من المنزل .12- تذكيرهما بالله ، وتعليمهما ما يجهلانه ، وأمرهما بالمعروف ، ونهيهما عن المنكر مع مراعاة اللطف والإشفاق والصبر .13- المحافظة على سمعتهما وذلك بحس السيرة ، والاستقامة ، والبعد عن مواطن الريب وصحبة السوء .14- تجنب لومهما وتقريعهما والتعنيف عليهما .15- العمل على ما يسرهما وإن لم يأمرا به .16- فهم طبيعة الوالدين ، ومعاملتهما بذلك المقتضى .17- كثرة الدعاء والاستغفار لهما في الحياة وبعد الممات .
الأمور المعينة على البر :1- الاستعانة بالله .2- استحضار فضائل البر ، وعواقب العقوق .3- استحضار فضل الوالدين .4- الحرص على التوفيق بين الوالدين والزوجة .5- تقوى الله في حالة الطلاق ، وذلك بأن يوصي كل واحد من الوالدين أبناءه ببر الأخر ، حتى يبروا الجميع .6- قراءة سيرة البارين بوالديهم .7- أن يضع الولد نفسه موضع الوالدين .
ثانياً : قطيعة الرحم – أسبابها – علاجها
* الرحم هم القرابة , وقطيعة الرحم هجرهم , وقطعهم . والصلة ضد القطيعة , وهي كناية عن الإحسان إلى الأقارب , والرفق بهم , والرعاية لأحوالهم .
أسباب قطيعة الرحم : 1- الجهل 2- ضعف التقوى 3- الكبر 4- الانقطاع الطويل الذي يسبب الوحشة والنسيان 5- العتاب الشديد من بعض الأقارب مما يسبب النفرة منه 6- التكلف الزائد , مما يجعل الأقارب لا يحرصون على المجيء إلى ذلك الشخص , حتى لا يقع في الحرج .7- قلة الاهتمام بالزائرين من الأقارب8- الشح والبخل من بعض الناس , ممن وسع الله عليه في الدنيا , فتجده لا يواصل أقاربه , حتى لا يخسر بسببهم شيئاً من المال , إما بالاستدانة منه أو غير ذلك .9- تأخير قسمة الميراث بين الأقارب .10- الشراكة المبنية على المجاملة بين الأقارب .11- الاشتغال بالدنيا.12- الطلاق بين الأقارب.13- بُعْد المسافة والتكاسل عن الزيارة .14- قلة تحمل الأقارب .15- الحسد فيما بينهم 16- نسيانهم في الولائم , مما يسبب سوء الظن فيما بينهم .17- كثرة المزاح .18- الوشاية والإصغاء إليها .
فضائل صلة الرحم 1- صلة الرحم شعار الإيمان بالله , واليوم الآخر.2- سبب لزيادة العمر , وبسط الرزق .3- تجلب صلة الله للواصل . 4- هي من أعظم أسباب دخول الجنة .5- هي من محاسن الإسلام .6- وهي مما اتفقت عليه الشرائع 7- هي دليل على كرم النفس , وسعة الأفق .8- وهي سبب لشيوع المحبة , والترابط بين الأقارب.9- وهي ترفع من قيمة الواصل .10- صلة الرحم تعمر الديار .11- وتيسر الحساب .12- وتكفر الذنوب والخطايا .13- وتدفع ميتة السوء .
الآداب والأمور التي ينبغي سلوكها مع الأقارب :1- استحضار فضل الصلة , وقبح القطيعة .2- الاستعانة بالله على الصلة .3- توطين النفس وتدريبها على الصبر على الأقارب والحلم عليهم .4- قبول أعذارهم إذا أخطأوا واعتذروا.5- الصفح عنهم ونسيان معايبهم ولو لم يعتذروا .6- التواضع ولين الجانب لهم .7- بذل المستطاع لهم من الخدمة بالنفس والجاه والمال .8- ترك المنة عليهم , والبعد عن مطالبتهم بالمثل .9- الرضا بالقليل منهم .10- مراعاة أحوالهم , ومعرفة طبائعهم , ومعاملتهم بمقتضى ذلك .11- إنزالهم منازلهم .12- ترك التكلف معهم , ورفع الحرج عنهم 13- تجنب الشدة في معاتبتهم إذا أبطأوا .14- تحمل عتابهم إذا عاتبوا, وحمله على أحسن المحامل .15- الاعتدال في المزاح معهم .16- تجنب الخصام , وكثرة الملاحاة والجدال العقيم معهم .17- المبادرة بالهدية إن حدث خلاف معهم .18- أن يتذكر الإنسان أن الأقارب لحمة منه لابد له منهم , ولا فكاك له عنهم .19- أن يعلم أن معاداتهم شرٌّ وبلاء , فالرابح في معاداة أقاربه خاسر , والمنتصر مهزوم .20- الحرص على ألا ينسى أحداً منهم في الولائم قدر المستطاع .21- الحرص على إصلاح ذات البين إذا فسدت .22- تعجيل قسمة الميراث .23- الاجتماعات الدورية .24- تكوين صندوق للأسرة .25- الحرص على الوئام والاتفاق حال الشراكة .26- يراعي في ذلك أن تكون الصلة لله وحده , وأن تكون تعاوناً على البر والتقوى , ولا يقصد بها حمية الجاهلية الأولى .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
.

vendredi 29 janvier 2010

الإسلام ودوره في التنمية


نظام التربية والتعليم الإسلامي ودوره في التنمية
يتفق المربُّون جميعًا أن نظام التربية والتعليم ضرورة لتوجيه الأفراد، وصياغتهم صياغة اجتماعية منضبطة ملتزمة، حتى يكونوا لبِنات صالحة قوية في بناء المجتمع القوي المفكر المنتج، غير أنَّهم يختلفون في المناهج التي تقود عمليَّة التَّربية والتعليم حسب نظام ذلك المجتمع، أو حسب نظريته الحضارية التي تقود حركة التنمية والتطور.
ولا شكَّ عند المربي الإسلامي أن المبادئ العامة للتربية والتعليم الإسلامي تنبثق من المذهبية الإسلامية في الوجود كله في العالم المادي وخالقه والإنسان والمجتمع.
وبناء على ذلك فإن أول مبدأ من مبادئ المذهبية الإسلامية صياغة الإنسان الموحد الذي يعرف خالقه معرفة يقينية قائمة على النظر والدليل، كي يعبده ولا يعبد أحدا سواه، لأن الإيمان العقلي المجرد لا يكفي لتكوين السلوك المستقيم الملتزم، إذ لا بد بجانب ذلك من عبادة الخالق الواحد الأحد وعدم الشرك به.
ولقد استطاع الإسلام أن يوحد وجهة الإنسان المؤمن في إيمانه بالخالق الواحد، من أجل إسلام الوجه إليه كله، وليتلقى المنهج كله منه فيعبده، ويطيع شريعته الكونية التي هي سننه التي أودعها بمن في الوجود، بتسخيرها لصالحه في النماء الحضاري، ويتبع شريعته الاجتماعية، كي تضبط له حركته في ذلك التسخير.
ولقد أدرك المسلم في ظلِّ عقيدة التوحيد الواضحة حقيقة الألوهية التي ينفرد بها الله سبحانه وتعالى، وجوهر العبودية التي يشترك فيها الناس جميعًا.
وكانت النتيجة الحتمية لذلك تحرر المسلم من عبادة ذاته، بعدم اتباع هواه الذي يعبر عن النفس الأمارة بالسوء التي لم تتهذب، وتَهتد بِهداية السماء، فإنَّها لا مناصَ من أن تقود إلى الهلاك واضطراب الحياة؛ لأنَّها تُعْمِي صاحِبَها عن معرفة الحقِّ، وتسد عليه سبل المعرفة اليقينية كلها.
ولم يتحرَّرِ المسلم من عبادة نفسه فحسب، وإنَّما تحرَّر من عبادة غيره؛ لأن في عبادة غيره إلغاء لعقله وروحه، وتعطيلاً لطاقاته المادية، وتجسيدًا للتسخير غير المشروع في المجتمع الإنساني، ورفعًا للمسؤولية الاجتماعية.
وتحرر كذلك من عبوديته لمظاهر الحياة المادية، وأوثانها المتعددة من المال والأشخاص والمصالح، فعبادة تلك المظاهر تؤدي إلى الاصطدام والصراع العنيف بين أبناء البشر، فتنتج عنه الانحرافات الفردية والجماعية، والحروب المدمرة، وتتلاشى أمامه القيم والحقائق والمثل الإنسانية، ويكون المعيار الوحيد حينئذ لتقويم الأشياء هو الحصول عليها بأكبر كمية، وأية وسيلة دون منهج إلهي ضابط يشرع الهدف والوسيلة بحسب الفطرة، وفي ضوء مصالح العباد.
ومن مبادئ المذهبية الإسلامية أن الإنسان خليفة في الأرض؛ كما سبق شرح ذلك، كرمه الله - عز وجل - على كثير مِمَّن خَلَقَ، وكلَّفه بأمانة تعمير الأرض، وإقامة المجتمع الفاضل عليها، ولهذا فإنَّهُ يتميَّز على الحيوانات بِما خلَقَ اللَّهُ تَعالى فيه من السُّموِّ الرُّوحي، والاستعداد للارتقاء العقْلِيِّ والاجتماعي.
والمذهبِيَّة الإسلاميَّة تدعو إلى موازنةٍ دقيقة في كيان الإنسانِ بين جوانِبِه كلِّها؛ النفسيَّة والعقلية والروحية، بِحَيْثُ لا يَجوز أن يَطْغَى جانبٌ على جانبٍ آخَر؛ لكي يحصُلَ التَّوافُقُ المطلوب لأداءِ واجب الأمانة على الوجه الأفضل.
وهذه الجوانب لها استعدادٌ دائم للرقي، إذا ما وُجِّهَتْ توجيهًا شاملاً يأخذ بعض أجزائها برقاب البعض الآخر، فالنفسيَّة يوجهها الإدراك، ويضبطها الشعور، وانحراف العقل يقومه الوجدان، والروح يربِّيه الوحي الإلهي، فيَصِلُ به إلى حالة الاستقامة والتقوى، والتقوى هي الكشاف الذي ينير الدرب أمام الإدراك والشعور والوجدان.
ومن مبادئ المذهبية الإسلامية، أنها تنظر إلى الكون نظرة شمولية من غير فصل بين أجزائه، وهذا يتحقق بتوظيف العلوم الطبيعية في إيمان الإنسان، لأن تلك العلوم تكشف له عن حقيقة آيات الله في الكون.
ومن هنا فإن الحضارة الإسلامية لم تشهد الفصل بين ما هو ديني وما هو دنيوي، وإنما انطلقت من النظرة الموحدة إلى الوجود كلِّه باعتبارِه مَجموعةً من السُّنَنِ الإلهيَّة تتعاوَنُ وتتآزَرُ، لتنتج نظرة واحدة متكاملة، تقود الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى.
وهذه هي حقيقةُ وحدة المعرفة التي تدعو إليها التربية الإسلاميَّة؛ لأنَّها توظِّفُ العلوم الطبيعية في إيمانِ الإنسان وسعادته المادِّيَّة والروحيَّة، وتوظِّفُ العلوم الاجتماعية والإنسانية في تطوير البيئة الملائمة للإنسان كما يراها الإسلام، كلُّ ذلك من خلال أصول الإسلام وقواعده ونظرته إلى الكون والحياة، والمجتمع والإنسان، التي تداخلتْ في كتاب الله تعالى تداخُلاً يستحيل الفصل بينها، كما حصل في المنظومة الحضاريَّة الغربيَّة الحديثة، ومنها انتقلتْ إلى العالم الإسلامي، فأدَّى إلى الفصل التَّامِّ بين الدين والعلم، أو بين الدين والدنيا.
إنَّ مفهوم التربية الإسلامية يتلخَّص في صياغة الفرد صياغةً حضارية، وإعداد شخصيته إعدادًا شاملاً ومتكاملاً؛ من حيث العقيدة، والذَّوق، والفكر، والمادة، ليتحقق فيه الفرد الذي يكون الأمة الوسط، وبذلك يصبح المسلم منذ طفولته، وعبر شبابه وكهولته صاحب رسالة، كل حسب موقعه ومركزه، ويحرص كل الحرص على إتقان ما يعمله، والإبداع فيه، ليزود أمته دائما بالمبتكر الجديد، استجابة لأمر الله تعالى في وجوب الإعداد الدائم ما استطاع من مظاهر القوة المتنوعة، ومن جهاد شامل على أصعدة الحياة كلها.
وإذا انتقلنا من هذا المجال العام إلى المجال الخاص في دراسة التربية الإسلامية، وجدنا أن أسسها يمكن أن تلخص على الوجه الآتي:
- تربية تكاملية شاملة للروح والعقل والجسد: ((إن لبدنك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كل ذي حق حقه
- تربية متوازنة تجمع بين خطي الدنيا والآخرة؛ يقول الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا
- ليست تربية نظرية؛ وإنما هي تربية سلوكية، تهيئ الإنسان العملي الذي يلتزم بنظام واقعي في الأخلاق والسلوك، يقول تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ العَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لآمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
- تربية فردية على الفضائل، وجماعية على التعاون، يقول تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، ويقول الرسول الكريم: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم؛ كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى
- تربية لضمير الفرد ليكون رقيبًا على السلوك والأفعال، يقول الرسول الكريم: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن
- تربية للفطرة وإعلاء لها، ووضعها على خط الاعتدال؛ بحيث لا إفراط ولا تفريط: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
ويقول الرسول الكريم - عليه الصلاة والسلام -: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يُمجِّسانه
- توجيه الإنسان نحو تحقيق الخير والعدل لنفسه، ولأسرته، ولمجتمعه، وللإنسانية جميعًا، قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ
يقول الإمام الغزالي: "إن جلب المنفعة، ودفع المضرة مقاصد الحق، وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم، لكننا نعني بالمصلحة على مقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم، وأنفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمن هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول الخمسة فهو مفسدة، ودفعها مصلحة".
- التربية الإسلامية تربية مستمرة لا تقف عند حد معين، ومنافذها متنوعة في البيت والمجتمع والمدرسة والمسجد.
- وهي تربية أصيلة ومعاصرة مفتوحة على الأساليب الحسنة، كلها في التوجيه والتعديل ((الحكمة ضالة المؤمن؛ أينما وجدها فهو أحق الناس بها
- وهي تربية إنسانية عالمية، لا تعرف الحدود، ولا تعرف الطائفية الضيقة، ولا العنصرية ا البغيضة وإنما هي في خدمة الإنسان أينما كان، تعمل لخيره،وتبذر بذور المحبة بين أبنائه، أي إن الإسلامي يربي أبناءه المؤمنين به على الإنسانية، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
وهذا هو مفترق الطريق بين التربية الغربية والتربية الإسلامية، لأن الأولى في أعلى مستوياتها تقوم على الإخلاص للوطن لا للإنسان، بدليل أن الإنسان الغربي في بلده يربى على عدم السرقة، والنهب، والغصب، والكذب، والغش؛ بينما في خارج بلده، في المستعمرات مثلاً هو مثال الأنانية البغيضة، والجشع الكريه، والغش والخداع، والكذب والدسيسة، والغصب والسلب والنهب، وإيثار صالح القوم والوطن على كل القيم الرفيعة

وإذا عرفنا أسس التربية الإسلامية فحينئذ ستكون أهدافها واضحة، نستطيع أن نلخصها على الوجه الآتي:
- الإسلام في مبادئه وشريعته يخطط لتربية الإنسان تربية ربانية شاملة، عن طريق صياغته صياغة إيمانية في حدود سلوكه الإنسان الفطري، كي يندمج في حياة عملية مستقيمة ونظيفة توجهها الاستقامة، وإذا وصل الإنسان بتوجيه التربية الإسلامية تلك إلى درجة التقوى، دخل في طريق العلم الحق الذي ينور حياته ويوصله بحركة الوجود الذي حوله، وفي هذا يقول سبحانه وتعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ
- وهب الله تعالى الإنسان عقلاً مدركًا للتمييز بين الأشياء؛ من أجل الإبداع في المهمة التي وكل بالقيام بها، وهي الخلافة في الأرض، ولذلك فإن القرآن الكريم يدعو الإنسان بإلحاح إلى استعمال العقل، للوصول إلى التفكير.
السديد، وربط السبب بالمسبب؛ تمهيدًا للكشف عن حقائق الوجود، وما أكثر ما نجد في القرآن الكريم: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، و{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}، و{إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}، و{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}.
ومن المعلوم أن الإنسان الذي يفكر بعقله المنطقي يرفض الخرافة واللاسببية في الوجود، وهذا المنهج التربوي بحد ذاته يربي عقلية علمية تقود إلى الحضارة والتقدم في الحياة.
- إن الإيمان الصادق بالله وعبادته وحده لا شريك له، لا بد أن يؤدي إلى الأعمال الصالحة التي تملأ جوانب الحياة فضيلة وقيمًا وسعادة، وغاية التربية الحقة أن تكون أعمال الإنسان صالحة تعبر عن إنسانية الإنسان، وتبعده عن الصراع الغريزي الحيواني الذي ينتهي به إلى مجتمع شبيه بمجتمع الغابة.
ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف الجليل، يقرن القرآن الكريم الأعمال الصالحة بالإيمان دائمًا، من ذلك قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ نزلا
والعمل الصالح كما ينبع من الإيمان الصادق، ينبع كذلك من الاستقامة في السلوك الذي جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإتمامه في قوله: ((إنما بعثت لأتمم صالح
- إيصال الإنسان إلى أعلى درجة ممكنة من الكمال وذلك:
أولاً: بتربية الفرد الصالح في ذاته من النواحي الروحية، والانفعالية، والاجتماعية، والعقلية، والجسمية.
وثانيًا: بتربية المواطن الصالح في الأسرة المسلمة، والمجتمع المسلم.
وثالثًا: بتربية الإنسان الصالح للمجتمع الإنساني الكبير
وإذا حصل الكمال للإنسان تحصل له السعادة في الدارين؛ في الدنيا بتكوين أفراد عاملين مؤمنين منضبطين مضحين، وفي الآخرة بالحصول على رضا الله - سبحانه وتعالى - والفوز بالدرجات العلى في جنة النعيم.
- توجيه الفطرة الإنسانية في إطارها الذي وضعه الله تعالى لها، كي تتحرك في داخله حركة متوازنة، دون إفراط ولا تفريط؛ لأن خروج الفطرة من مسارها الصحيح إفساد للجبلة الإنسانية، وانحراف بها عن الغاية الأساس التي خلقت من أجلها، وكل انحراف لا بد أن يؤدي إلى انحرافات أخرى، وبذلك يفسد الفرد وتفسد معه الحياة، فالتربية الإسلامية في مراحلها كلها تحاول المحافظة على الفطرة الإنسانية منذ الطفولة إلى أن يتحصَّن الإنسان بتقوى الله سبحانه وتعالى.
- إن تكوين الأمة الواحدة المؤمنة المتآزرة القوية هدف من أعظم أهداف التربية الإسلامية، وذلك بتربية أفرادها على عقيدة واحدة هي عقيدة الإسلام، وبالتوجه في العبادة إلى إله واحد وقبلة واحدة، وبالتخلق بأخلاق واحدة.
وهكذا يمتزج الأفراد بعضهم ببعض، ليشكلوا في النهاية الأمة التي قال عنها سبحانه وتعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وقال: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ
ومجمل القول أن الباحث المنصف إذا درس المبادئ التربوية الإسلامية، وصل إلى أنها بمجموعها تشكل منهجًا متكاملاً في التربية والتعليم، وأن لها أهدافًا وأسسًا واضحة تنطلق من أصول الإسلام العامة وقواعده ومذهبيته الكونية والاجتماعية، التي توقف الإنسان في حدود إنسانيته دون أن تحاول أن تجعل منه ملكًا، أو تسمح له بالانحدار إلى الحيوانية الهابطة، وإنما تحافظ كما ذكرنا على توازن عجيب، يتصل بأعماق دوافعه الملحة.
وهذا النظام التربوي هو الذي نفتقده بين المناهج التربوية المعاصرة، التي تهتم بالجانب العقلي والجسمي دون الالتفات إلى الجانب الروحي، الذي هو الجانب القوي المهيمن.
يقول الدكتور إسحق الفرحان: "إن النمو الروحي للفرد حاجة أصيلة في أي إنسان، ويخطئ علماء النفس إذ يعتبرون أن أبعاد النمو أربعة وهي: النمو الانفعالي، والاجتماعي، والعقلي، والجسمي، فالحاجة إلى النمو الروحي أقوى من الحاجة إلى أي نوع من أنواع النمو الأخرى
وهذا هو جوهر القضية التربوية التي أشار إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((ألا وإنَّ في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب
)

mercredi 27 janvier 2010

التقليد الأعمى وحكم الدين فيه

حكم التقليد

الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، إله الأولين والآخرين، ومالك يوم الدين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإنّ من الأدواء الخطيرة التي بُلي بها بعض المسلمين: داء التقليد الأعمى، فلقد قلد بعض المسلمين غيرهم من دون ضوابط ولا أصول، فقلد بعضهم الكفار في فعل ما يغضب الله، من الأفكار والسلوك والمظاهر والمناسبات ونحو ذلك.
ومما يذم من ذلك تقليد الأبناء للآباء والأجداد والأخذ بكل حسن وقبيح من دون برهان وحجة، وتقليد بعض المتعلمين مشايخهم حتى وإن خالفوا الدليل، وغير ذلك من أنواع التقليد التي ابتلي بها المسلمون..
والله -تبارك وتعالى- قد حذرنا من التقليد الذي يؤدي إلى رد الحق ورفضه؛ فقال جل وعلا: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتبعوا مَآ أَنزَلَ الله قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} سورة البقرة (170). وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إلى مَآ أَنزَلَ الله وَإِلَى الرسول قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} سورة المائدة (104). وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتبعوا مَآ أَنزَلَ الله قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشيطان يَدْعُوهُمْ إلى عَذَابِ السعير} سورة لقمان(21). وقوله تعالى: {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ* بَلْ قالوا إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ* قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بأهدى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ} سورة الزخرف (21)(24). وقال عن المشركين: {قالوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا} سورة إبراهيم (10). وقال الله -عز وجل-: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} سورة البقرة(166)(167). وقال الله -عز وجل-: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ} سورة الأنبياء(52) (53). وقال: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} سورة الأحزاب(67). إلى غير ذلك من الآيات التي حذرنا الله فيها من التقليد الأعمى.
أيها الناس: في تلك الأدلة برهان واضح على أن الله: "قد ذم في القرآن من عدل عن اتباع الرسل إلى ما نشأ عليه من دين آبائه، وهذا هو التقليد الذي حرمه الله ورسوله، وهو أن يتبع غير الرسول فيما خالف فيه الرسول، وهذا حرام باتفاق المسلمين على كل أحد، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والرسول طاعته فرض على كل أحد من الخاصة والعامة في كل وقت وكل مكان في سره وعلانيته وفي جميع أحواله"

"وأصل الدين أنه لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله، ولا مكروه إلا ما كرهه الله ورسوله، ولا حلال إلا ما أحله الله ورسوله، ولا مستحب إلا ما أحبه الله ورسوله، فالحلال ما حلله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله، ولهذا أنكر الله على المشركين وغيرهم ما حللوه أو حرموه أو شرعوه من الدين بغير إذن من الله"
.
أيها الناس: إن التقليد الأعمى للأشخاص -مع توفر آلة الفهم والعلم ووسائله- مخالف للأدب مع دين الله ومع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي أمر الله بطاعته ومعرفة سنته وشرعته " فرأس الأدب معه -صلى الله عليه وسلم- كمال التسليم له، والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون أن يحمله معارضة خيال باطل يسميه معقولاً، أو يحمله شبهة أو شكاً أو يقدم عليه آراء الرجال وزبالات أذهانهم، فيوحده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان كما وحد المرسِل سبحانه بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل؛ فهما توحيدان لا نجاة للعبيد من عذاب الله إلا بهما: توحيد المرسِل، وتوحيد متابعة الرسول، فلا يحاكم إلى غيره، ولا يرضى بحكم غيره، ولا يقف تنفيذ أمره، وتصديق خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه وذوي مذهبه وطائفته ومن يعظمه، فإن أذنوا له نفذه وقبل خبره وإلا فإن طلب السلامة أعرض عن أمره وخبره وفوضه إليهم، وإلا حرفه عن مواضعه وسمى تحريفه تأويلاً وحملاً، فقال: نؤوله ونحمله. فلأن يلقى العبد ربه بكل ذنب على الإطلاق -ما خلا الشرك بالله- خير له من أن يلقاه بهذه الحال"
.
أيها المسلمون: إن من أشر أنواع التقليد ما بلغ ببعض الناس من أن يقلد غيره في ارتكاب المعصية والجريمة، والافتخار بذلك، والمجاهرة بفعلها؛ بدعوى أنها منتشرة وموجودة في بعض البلدان الغربية، والله -عز وجل- يقول: {وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}سورة الأعراف (28). فقد "ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنّ الكفار إذا فعلوا فاحشة استدلوا على أنها حق وصواب، بأنهم وجدوا آباءهم يفعلونها، وأنهم ما فعلوها، إلا لأنها صواب ورشد"
.
وفي الحديث عن سالم بن عبد الله قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه)
.
فتجد بعض أهل الفسوق والمعاصي يجاهر بمعصيته ليقلده أصحابه ومعاريفه في ذلك، وهذا واقع في جرم عظيم وداع إلى شر كبير، وهو نوع من حب شيوع الفاحشة في المجتمعات الذي قال الله عنه: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (19) سورة النــور.
أيها الناس: إن مما يجب أن نعلمه أن التقليد في الأحكام الفقهية كحال أتباع الأئمة الأربعة لا يخرج عن قسمين:
أحدهما: تقليد مباح، وهو أن يتبع المسلم العامي مذهباً من المذاهب الأربعة، بل هو في الحقيقة يقلد أحد علماء المذهب الذي عاصره. فإذا علم أنّ هذا العالم معروف بالتقوى والورع، وخشية الله تعالى، واشتهر بين الناس بعلمه، فإن له أن يقلده.
ولكن ينبغي أن يعلم بأن تقليد هذا المذهب أو هذا العالم ليس واجباً عليه، بل إذا عرف عالماً آخر أغزر علماً وأكثر ورعاً، فإن تقليده له أولى من تقليده لذاك.
وعليه أن يعتقد أن هذا التقليد إنما هو لعجزه عن معرفة حكم الله مباشرة لعدم أهليته، لا لأن اتباع ذلك المذهب أو هذا العالم أمر لازم لذاته.
ثانيهما: تقليد مذموم، وهو أن يعتقد المسلم أنه يجب عليه اتباع مذهب معين يتقيد به على كل حال، ولا يجوز له الخروج عنه كما هو رأي أغلب المتمذهبين من أتباع الأئمة الأربعة.
ولاسيما الغلاة منهم حيث يقلدون في الصواب والخطأ على السواء دون أن يجتهدوا في معرفة الحكم بدليله الذي يرجحه مع أن كثيراً منهم مؤهلون للبحث والترجيح.
هذا ما جاء في التقليد وذمه، إلا لمن لم يكن عنده آلة الفهم والعلم وأخذ الحكم بدليله كحال أغلب عوام الناس، فيجوز لهم التقليد بشرط عدم التعصب والتحزب والولاء والبراء من أجل أقاويل الناس..
نسأل الله تعالى أن يصلح حالنا، وأن يهب لنا من العلوم ما نتبصر به في ديننا، ربنا اغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أمر أن لا تعبدوا إلا إياه، وأن لا يعبد إلا بما شرع، وأن لا يعبد بالأهواء ولا بالبدع، والصلاة والسلام على من سن الهدى وشرع، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الناس: لقد قسم العلماء التقليد من حيث التزام مذهب بعينه إلى قسمين: القسم الأول: تقليد عام، والقسم الثاني: تقليد خاص.
فالتقليد العام: أن يلتزم مذهباً معيناً يأخذ برخصه، وعزائمه في جميع أمور دينه، وقد اختلف العلماء فيه، فمنهم من حكى وجوبه؛ لتعذر الاجتهاد في المتأخرين، ومنهم من حكى تحريمه؛ لما فيه من الالتزام المطلق لاتباع غير النبي -صلّى الله عليه وسلّم-؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "إن في القول بوجوب طاعة غير النبي -صلّى الله عليه وسلّم في كل أمره ونهيه، وهو خلاف الإجماع وجوازه فيه ما فيه"
. وقال أيضاً: "من التزم مذهباً معيناً، ثم فعل خلافه من غير تقليد لعالم آخر أفتاه، ولا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك، ولا عذر شرعي يقتضي حل ما فعله، فهو متبع لهواه فاعل للمحرم بغير عذر شرعي، وهذا منكر".
وأما إذا تبين له ما يوجب رجحان قول على قول إما بالأدلة المفصلة إن كان يعرفها ويفهمها، وإما بأن يرى أحد الرجلين أعلم بتلك المسألة من الآخر، وهو أتقى لله فيما يقوله، فيرجع عن قول إلى قول لمثل هذا، فهذا يجوز بل يجب، وقد نص الإمام أحمد على ذلك.
والقسم الثاني: التقليد الخاص: أن يأخذ بقول معين في قضية معينة فهذا جائز إذا عجز عن معرفة الحق بالاجتهاد سواء عجز عجزاً حقيقيًّا، أو استطاع ذلك مع المشقة العظيمة.

أيها الناس: إن الأصل في المسلم أن يطلب العلم، وهو فرض عين في المسائل الكبيرة كأركان الإسلام العظام ولا يجوز له التقليد فيها، كمعرفة الله وتوحيده وإقامة الصلاة والزكاة والصوم والحج، فيجب عليه معرفة أدلة وجوبها، ولا يجوز له التقليد في معرفة الله تعالى، إذ معرفته مبينة على الدليل العقلي والنقلي، وهذا من الأمور العظيمة التي لا ينبغي أن يجهلها مسلم، والجهل بها نوع من الضلال والريبة والشك.. فكلما كان المسلم عالماً فاهماً لدينه بأدلته كان أقرب الناس إلى الاتباع والثبات على ذلك
.

dimanche 24 janvier 2010

التغذية السليمة أهم ما يقوي الذاكرة ويساعد على التركيز


الامتحانات على الأبواب، وفي هذه الفترة يزداد القلق بالبيوت، ويشكو أولياء الأمور من إعراض أبنائهم عن تناول الطعام عمومًا، وكثرة

حدوث التقيؤ والاضطراب النفسي، فهل لهذه المظاهر علاقة بنوعية الطعام؟ وهل هناك أنواعٌ من الطعام يمكن أن تساعد على حل مشكلة النسيان وضعف الذاكرة التي يكثر منها الشكوى أثناء فترة المراجعة والامتحانات؟!
في هذا الحوار مع خبير التغذية- الدكتور حمدي عبد الله- يكشف لنا كيف يلعب الطعام الصحي دورًا مهمًّا في التركيز والتفوق والتحصيل وتحقيق الهدوء النفسي، واضعًا لنا مواصفات الوجبات المثالية في فترات الامتحانات، فإلى نص الحوار:
يعاني التلاميذ والطلاب في فترة قبيل وأثناء الامتحانات من عدم الرغبة في الطعام، فما سبب ذلك؟
** في أثناء الفترات التي يبذل فيها الإنسان جهدًا ذهنيًا شاقًا.. غالبًا ما يصحبه إعراضٌ وعدمُ رغبة في الطعام، لا سيما إذا كان هذا الجهد مصاحبًا لقلق وضغط نفسي، كفترات الامتحانات، والتي يكون فيها التلميذ أو الطالب في حالة توتر عصبي، وعدم استقرار نفسي، وخوف من الامتحان، وهذا شعور طبيعي، إلا أنه يمثل خطورةً كبيرةً على هؤلاء الطلاب؛ حيث إن عدم التغذية الجيدة يُفقد التركيز في المذاكرة، بل ويقلل التحصيل، ويصيب الجسم بالضعف، والهبوط العام، والرغبة المستمرة في النوم.
وكيف نعالج هذه المشكلة، خاصةً وأن تناول الطعام لا يكون بالإجبار؟
** يعتمد ذلك على الأسرة، وكيفية تقديم الوجَبَات المحبَّبة للطالب في أوقات متفاوتة، مع مراعاة تنوُّع الوَجَبات الغذائية بحيث تشمل مختلف العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم، من بروتينات، وفيتامينات، وكربوهيدراتات، ودهون، ونشويات، وحديد.. وغيرها من العناصر الغذائية الأساسية.
وهل فترة المراجعة تحتاج نوعًا معينًا من الغذاء يختلف عن الفترات العادية؟
** الأصل أن الإنسان لا بدَّ أن يحقق توازنًا في غذائه في مختلف الأوقات، لكنه نظرًا لأن هذه الفترة تقلُّ فيها الرغبة في الطعام بسبب القلق؛ فإن الوَجَبات الغذائية يجب أن تتَّسِمَ بعدة سمات، أهمها: أن تكون سريعة الهضم؛ حتى لا تُسبب مشكلات عسر الهضم وتقلصات المعدة وغيرها من المشكلات، كما يجب أن تحتوي على العناصر الغذائية الكاملة؛ ولذلك فيفضَّل في وجبة الإفطار أن تكون من الألبان أو منتجاتها؛ حيث تحتوي على قيمة غذائية عالية، وفي نفس الوقت هي سريعة الهضم، بالإضافة إلى أحد الأطعمة التي تحوي النشويات لا سيما العسل؛ حيث يعطي طاقةً عاليةً وقيمةً غذائيةً جيدةً، أو أحد أنواع المربى، وكذلك ثمرة أو عدة ثمرات فاكهة طازجة، أما وجبة الغذاء فيجب أن تحتوي على المكونات الأساسية من البروتينات، مثل اللحوم أو الأسماك أو الدواجن والفيتامينات في الخضروات المختلفة.
ويفضَّل ألا ينامَ الطالب بعد تناول وجبة الغذاء قبل ساعتين؛ حتى لا يسبب له ذلك انتفاخات بالمعدة وتقلصات، وأمراضًا أخرى، فيزداد بُعده عن الطعام.
أما العشاء فيكون خفيفًا، ويفضل أيضًا أن يكون من الألبان ومنتجاتها، وبذلك نضمن تغذيةً مفيدةً للطالب، وفي نفس الوقت لا تسبب له مشكلات جانبية.
يشكو الطلاب كثيرًا من النسيان وضعف الذاكرة في فترات المراجعة وقبيل الامتحانات،

فهل هناك أنواع من الطعام تعمل على تنشيط وتقوية الذاكرة والتركيز؟
** الشعور بالنسيان حالة نفسية تنتج عن القلق والخوف، وغالبًا عندما يدخل الطالب الامتحان يتذكر على الفور ما ذاكره واسترجعه من دروس، لكن قد يكون النسيان بسبب ضعف التغذية أصلاً؛ حيث إن إعراض الطالب عن الطعام يتسبب في عدم التركيز، ومن ثم يضعف التحصيل، ويؤدي في النهاية إلى عدم ثبات المعلومة بالذهن، ومن الأطعمة التي تنشط الذاكرة وتقوي التركيز الفواكه الطازجة عمومًا والعصائر، وكذلك الخضروات التي تحتوي على الكثير من الفيتامينات والكربوهيدرات، ولا يجب إغفال أهمية البروتينات والنشويات، ولكن بالقدر المعقول والمتوازن.
ظاهرة منتشرة بين التلاميذ والطلاب في هذه الفترة، وهي كثرة التقيؤ، فما أسبابها..؟ كيف يتخلص الطالب من هذه الظاهرة؟
عملية التقيؤ في هذه الفترة غالبًا لا يكون لها سبب عضوي مباشر، وتنتج عن الاضطراب والقلق والخوف، وهي أيضًا تكثر في حالة عدم التغذية الجيدة أو في حالة ما تكون المعدة خاليةً، أما الطالب إذا تناول الوجبة سريعة الهضم وعالية القيمة الغذائية فيقل معها التقيؤ، وليس التقيؤ فقط هو ما ينتج عن القلق وضعف التغذية، بل قد يسبب ذلك أيضًا الهرش بالجسم، وظهور أنواع معينة من الحساسية، أو الشعور المستمر بالصداع، وأنواع أخرى من الأعراض التي تختلف من فرد لآخر.
غذاء صحي متوازن
هل يوجد غذاء خاص يقلل من القلق ويحقق الهدوء النفسي في هذه الفترة؟
** عملية التغذية كلها مرجعها إلى الأسرة، والتي يمكن أن تساعد أبناءها على تحقيق الهدوء قبل الغذاء، من خلال بث الثقة فيهم، وتهوين الأمر لهم من غير تساهل، أما بالنسبة للطعام فمعروف أن العصائر عمومًا- والليمون خاصةً- من المهدئات، وكذلك السوائل عمومًا تُعتبر من المغذيات المهمة للطلاب في هذا الوقت، وهناك مشكلة كبيرة يغفل عنها الكثير، وهي الإكثار من المنبهات أثناء المذاكرة؛ بحجة زيادة التركيز، وعدم النوم، ومقاومة الكسل، وهذا السلوك من أخطر ما يصيب الطالب؛ حيث إن المنبهات تؤثر على المخ وتجبره على العمل فترةً أطول من الطبيعية بالنسبة له، فيقل التحصيل الذي يكون لفترة صغيرة، ويكثر النسيان، كما يزيد من التوتر وعدم الهدوء؛ ولذلك ننصح بعدم تناول المنبِّهات في هذه الفترة، كالقهوة والشاي وغيرهما من المنبهات إلا بالقدر الطبيعي المعتاد قبل مرحلة الامتحانات، بل يفضل أحيانًا التقليل من المنبهات عن القدر الطبيعي في فترة الامتحانات حتى لا يكثر التوتر والقلق
.

vendredi 22 janvier 2010

ثقافة الطفل ومنجزات العصر

ثقافة الطفل ومنجزات العصر

أَثّــرَ في ثقافة الطفل خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين وبداية القرن الحالي عددٌ من المتغيرات والتحدّيات ، من بينها وخاصة في مجال التنشئة الأسري والمدرسي ولو في نطاق ضيّق ولكنه آخذٌ في الاتساع .. ثقافةُ الحوار والسّـماع والاستماع ، والمشاركة ، والإبداع ، بدلا من أساليب الحفظ وحشْـو العقول بالمعلومات ، والتلقين ، والتسلط ، واعتماد التعليم بدلا من التعلّم .وإعادة صياغة الثقافات الموروثة بما يتماشى ومنجزات العصر ، مع اتضاح الدور الرئيسي للحواس في تنمية قدرات الأطفال خاصة الصغار منهم بدلا من الاعتماد على الكلمة الشفاهية وحدها ، ومنافسة البرامج التلفزية العديدة ، والكمبيوتر ، والإنترنيت في العديد من الدول العربية ، وفي نطاق لا يزال محدودا ببلادنا .. تحدّياتٌ للكتاب المدرسي ، ومكوّنات أدب الطفل عموما ، لما تتضمّنه هذه الوسائل العصرية من تفاعل بين الشاشة والطفل .

كما تنبهت المجتمعات إلى قضايا الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من المعوّقين جسميا وعقليا وحتى نفسيا، وكذا الأطفال ذوي الظروف الخاصة كالمشرّدين .. أطفال الشوارع ، وضحايا الخلافات الأسرية ، والمصابين بأمراض مزمنة ..تنـبّهت العديد من المجتمعات إلى تسخير العلم لمساعدة هذا النوع من الطفولة وحمايته ليس هذا فحسب ،ولكن لجعل هذه الطفـولة تستفيد بدورها من ثمار العلم وتكنولوجيا كسْب المعارف على غرار الأطفال الأسوياء.

وتعاونت في ذلك الهيئات الرسمية والمجتمع المدني بأغلب مكوّناته مستعينة بالخبراء ، ومستفيدة من الدعم المعنوي والمادي المُقدم ..حتى تهيّأت ظروف مناسبة جدّا لهؤلاء الأطفال ذوي الاحتياجات ساعدتهم على أن يكونوا أحسن حالا من حيث الرعاية الصحية والتكوين والاندماج في المجتمع ، من حال الأسوياء عندنا .

انفجار معرفي نَـوّعَ .. وسائل التثقيف

دوْر العلم تعاظم ويتعاظم في حياتنا ممّا يحتّم علينا ترْك التردّد والشك وولوج هذه الفضاءات الجديدة لأخْذ ما هو مفيد ونافع ، واقتناء الوسائل المتاحة والمتوفرة ، وبقدْر إمكاناتنا أفرادا وجماعات لتنمية التفكير العلمي ، والمعرفة العلمية خاصة لدى أطفالنا .



هذا الانفجار المعرفي وتعدّد وسائط المعرفة ساعد على ضرورة التأكيد على نفْـض الغبار عن قيم إنسانية سامية أكدت عليها قيمنا الروحية ، ولكن تغافلنا عنها جهلا وعمْدا معا ، مثل عدم التمييز بين أهمية أدوار الفتى وأدوار الفتاة ، وقبول الآخر ، وتقوية الشعور بالانتماء إلى الوطن ، وتأكيد قيمة الوقت والعمل ، والحفاظ على البيئة من طرف الجميع الكبار والصغار ، وتنمية روح الإبداع والابتكار ، والاعتماد على النفس في التعلّم الذاتي المستمرّ في عصْر أصبحنا نسمّيه " عصر انفجار المعلومات . [

تكنولوجيا المعلومات وتثقيف الطفل

إن التقدم الذي نشهده حاليا في جميع المجالات ، وتأثيرات المعرفة الحديثة واضحة فيه قد ضيّق المسافة بين الطفل وبين العلم والتكنولوجيا بصورة تستوجب تربية جديدة مغايرة تماما للتربية التي لا تزال سائدة في مجتمعاتنا ولم تترك المكان للتربية الحديثة والمعاصرة إلاّ في نطاقات ضيّقة وبصعوبة . وعلى أية حال فالعلاقة متينة بين التربية والثقافة ..والتربية هي عنصرٌ هامٌّ من عناصر الثقافة باعتبارها الأداة الأولى في التنشئة الاجتماعية ، لا بدّ أن تكون غاياتها واضحة .

لقد أصدرت " اليونيسكو " دراسة قيّمة بعنوان : " التعليم ذلك الكنز المكنون" وهي :
- تعلّمْ لتعرف .
- تعلّمْ لتعمل .
- تعلّمْ لتكون .
- تعلّمْ لتشارك الآخرين .

وقد قام الدكتور نبيل علي الخبير في مجال المعلوماتية بصياغة هذه الغايات الأربع الأساسية فيما يخصّ تربية الطفل العربي إلى أربعة أهداف أساسية لاستخدام تكنولوجيا المعلومات وهي :

تنمية قدرات الطفل العربي في اكتساب المعرفة .

. تنمية القدرات الذهنية لدى الطفل العربي .

. تنمية القدرات الإبداعية لدى الطفل العربي .

. تنمية مهارات التواصل مع الآخرين لدى الطفل العربي . [

أيقنت كل المجتمعات ضرورة اللجوء إلى تكنولوجيا المعلومات لمواجهة ظاهرة الانفجار المعرفي ، وهو ما يستوجب إكساب الطفل العربي القدرة على التعلّم الذاتي مدى الحياة ، والتعامل المباشر مع مصادر المعرفة دون وسيط بشري في هيئة مدرّسٍ أو كتاب مدرسيٍّ . يتطلب ذلك إكساب الطفل مهارات البحث والإبحار في الشبكة العالمية " الإنترنيت " ..ومن حقّنا أن نطرح نحن السؤال التالي : أيمكن أن يتحقّق هذا عندنا في الأمد القريب أو حتى المتوسط ؟ ..(الآتي من الزمن عنده الإجابة .) إن مهمة التعليم لم تعد تنحصر في تحصيل المادة التعليمية بالدرجة الأولى ، فأسلوب التلقين والتحفيظ واستظهار المعلومات حرفيا ، أسلوبٌ يتناقض تناقضا جوهريا مع ظاهرة الانفجار المعرفي ؛ بل الغاية تنمية مهارات الحصول على المعارف وتوظيفها ، وأكثر من ذلك توليد المعارف الجديدة وربطها بما سبقها

مصادر ثقافة الطفل تعدّدت

إن مصادر ثقافة الطفل تتمثّل في الأسرة ، الجيران ،المسجد ،المدرسة ، جماعة الأقران ، وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة ، والمرئية ويتصدّرها التلفزيون ، أدب الطفل ، الوسائط الحديثة للتثقيف .نكتفي هنا بالحديث عن عوامل ثلاثة من عوامل التربية والتثقيف أوّلا ، وهي : الأسرة ،المدرسة ، أدب الطفل .

الأسرة :هي أساس التنشئة ومصدر الاستقامة أو الانحراف في فطرة الطفل وعقيدته التي هي مبعث ثقافته . وفي مراحل النموّ يتعرّض الطفل لنماذج سلوكية مباشرة في أسرته ، والمحيطين به ، أو نماذج سلوكية رمزية من وسائل الإعلام ومن القصص والحكايات التي تُقدّم في الأسرة من كبارها وصغارها معا . وفي هذا النوع من التعليم يلاحظ الطفل الشخص النموذج ، ويصوغ ما يشاهده ويختزنه ، وينتظر الوقت المناسب لكي ينتج نفس السلوك.

الأسرة هي الوعاء التربوي والثقافي الذي تتبلور داخله شخصية الطفل تشكيلا فرديا واجتماعيا ودينيا ، وهي بهذا تمارس عمليات تربوية تثقيفية هادفة من أجل تحقيق نموّ الفرد نموّا سليما … وممّا لا ريب فيه أن الوضْع الثقافي والتعليمي للأسرة يؤثّر في تنشئة الطفل وتربيته تأثيرا مباشرا ، وبخاصة في سلوكه الديني والاجتماعي والثقافي .. فالميل إلى القراءة ، والمشاركة في الأنشطة الثقافية المحلية والوطنية ، وحضور المحاضرات والندوات الفكرية ، والمساهمة في المسابقات ، وممارسة الحوارات الفكرية داخل الأسرة ، ووجود المجلّة والكتاب والصحيفة اليومية وانكباب أفراد الأسرة عليها ..كلها عوامل ذات تأثير إيجابي في تنمية الوعي الثقافي لدى الطفل ، وكذلك تساعد على النموّ السليم والتنشئة التي تسمح بسرعة التكيّف الاجتماعي والثقافي مع الوسط المدرسي من ناحية ، ومع الوسط الاجتماعي الثقافي من ناحية أخرى .

دوْر الأسرة حسّاسٌ وخطيرٌ جدّا .. تلبية الحاجات البيولوجية ، تربية ، تنشئة ، تهذيب ، غرْس الفضائل والقيم ، إدماج في المحيط ، تثقيفٌ . والتثقيف يدعونا إلى استعراض نقاط مهمّة منها : ـ هل حركية الكتاب غير المدرسي داخل الأسرة متوفرة وتمسّ كل مجالات المعرفة ؟ ـ كيف هي نظرة الأبويْن وأفراد الأسرة إلى الكتاب ؟ ـ هل توجد مكتبة منزلية ؟ كمية الكتب بها ؟ نوعيتها ؟ استثمارها ؟ طريقة العناية بها ؟ ـ ما نصيب الطفل منها ؟ ـ هل عُوّد ويُعوّد هذا الطفل منذ صغره على المطالعة خارج الواجبات المدرسية ؟ ـ هل الأسرة لها ارتباط بالصحافة ؟ وهل هذه العلاقة يومية ؟

لمّا نطرح مثل هذه الأسئلة كي نؤكّد بأن المدرسة عندنا على غرار العديد من البلدان التي تشابهنا عجزت عن دورها التثقيفي ، بل وحتى التعليمي في بعض مراحل التعليم ..المطالعة ثم عادة المقروئية التي من المفترض أن تتعاضد الأسرة والمدرسة على غرسهما لدى أبنائنا وبناتنا كوسيلتين رئيسيتين للتثقف وإثراء المعارف والاندماج في المحيط القريب والبعيد، و أداتين للبحث والتقصّي وليس فقط في المؤسسة التعليمية .. فشلتا في ذلك وكلتاهما تنحى باللائمة على الأخرى .

المسجد : من أهمّ مصادر ثقافة الطفل ، حيث يتعلم منه التقيّد بالمواعيد والانتظام في الصفوف ، واحترام الكبار والسلام عليهم ، والتعرّف على الجيران وتفقّدهم ، والمساواة والعدل بين جميع أفراد المجتمع ، والاهتمام بالطهارة من نظافة الجسم والهندام ، وتعلّم التلاوة السليمة وحفظ كتاب الله ، وتشرّب المبادئ الروحية ، والارتباط الدائم بالله عزّ وجلّ ، والانقياد للقيادة المسجدية ، ومراعاة آداب الطريق والمشي باحترام وسكينة .

وفي ظلّ وجود المدارس النظامية وتعدّد وسائل المعرفة وسهولة الحصول على المعلومات من مصادرها المتنوّعة ، نجد أن دوْر المسجد بالنسبة للأطفال قد تقلّص بشكل واضح ، ولم يعد يقوم بالدور الذي كان يؤديه في السابق ..لذا في اعتقادنا ينبغي التعاون بين الأسرة والمدرسة والمسجد من أجل تحقيق نوع من التكامل ما بينها ، فإذا كانت المناهج التعليمية في مادة التربية الإسلامية توازن ما بين محاور القرآن الكريم ، الأحاديث النبوية ، العقيدة ، العبادات ، السلوك الأخلاقي ، من المفترض أن يركّز المسجد على تحفيظ القرآن الكريم للأطفال والطّلاّب بصفة أساسية في العُطل ، لأن ما يقدم منه في المدرسة يقتصر على السُّور القصار ، وعلى الآيات ذات الأحكام .

المدرسة : امتدادٌ للأسرة وتكميل لدورها في تثقيف الطفل ، وهي تُكْسبه قيما إيجابية تؤهّله ليكون فردا عاملا مؤثّرا في مجتمعه . وقد تُكْسبه قيما سلبية تؤهله كي يكون رقما في إحصائيات التعداد فقط …تُعتبر المدرسة مؤسسة اجتماعية ثقافية من أهدافها إعداد الفرد كي يكون مواطنا مستنيرا قادرا على القيام بدوره الثقافي تجاه نفسه وتجاه المجتمع ، والإسهام في دفعه نحو الرقيّ والتحسّن في عصر يتميّز بالتطوّر السريع في جميع مجالات الحياة ، ممّا يتطلّب كفاءات ومهارات لدى الأجيال الجديدة لكي تستطيع مواكبة ما يطرأ من تغيّر وتحديث ونموٍّ لا يتوقف ..فإن المدرسة بحكم وظيفتها الاجتماعية واستمداد أهدافها من مجتمعها ، تعمل على إعداد الفرد الذي يتميز بخصائص أهمّها :

ـ الشعور بقيمة كينونته وأهميتها العلمية والثقافية في المجتمع .

ـ الشعور بأنه عضْوٌ فعّـالٌ منتج له قيمته في المجتمع الذي يعيش فيه .

ـ الإحساس بمشكلات مجتمعه ، والسعي الجاد والصادق في حلّ تلك المشكلات بشكل إيجابي مع غيره ، وذلك باستخدام الأساليب العلمية .

المدرسة بتشكيلتها المعروفة من مدرس وإدارة ومبنى ومرافق وكتاب مدرسي ووسائل تعليمية ، وفضاء للتعليم والتعلّم مع الرفاق ، تستطيع أن تفعل الكثير ، وإنْ كانت إمكاناتها محدودة وبخاصّة : المدرسة الابتدائية التي تأنف وزارة التربية احتضانها ماديا ، وتُولي البلديات وجهها عنها . في المدرسة يكتسب الطفل المعارف ، ويتقن المهارات ، ويتشرّب القيم السلوكية التي تساهم في تشكيل شخصيته .

أدب الطفل : الأدب ركيزة ثقافية أساسية ، وهو تشكيل أو تصوير للحياة والفكر والوجدان من خلال أبنية لغوية ، وهو فرْعٌ من فروع المعرفة الأنسانية العامة ، يُعنى بالتعبير والتصوير فنيا ووجدانيا عن العادات والتقاليد ، والآراء ، والقيم ، والآمال ، والمشاعر ، وغيرها من عناصر الثقافة ؛ أي أنه تجسيد فنّيٌ تخيّلي للثقافة .

ويشمل هذا المفهوم الأدب عموما ، بما في ذلك أدب الطفل ؛ لكن أدب الطفل يتميّز عن أدب الكبار في مراعاته لحاجات الطفل وقدراته ، وخضوعه لفلسفة الكبار في تثقيف أطفالهم . وهذا يعني أن لأدب الطفل من الناحية الفنية مقوّمات الأدب العامة نفسها ؛ غير أن اختيار الموضوع ، وتكوين الشخصيات ، وخلْقَ الأجواء ، والاستخدامات اللغوية ، وتحديد الأسلوب المناسب في أدب الطفل تخضع لضوابط خاصّة تناسب قدرات الطفل ومستوى نموّه .أدب الطفل أداةٌ أساسيةٌ في بناء ثقافة الطفل ، إذْ يُسْهم في نقْل جزء من الثقافة العامة إلى الطفل بصورة فنّية .

ذلك أن التجسيد الفنّي عملية لازمة في التوجّه الاتصالي عموما ، والأدب فرْعٌ من الثقافة والثقافة نوْعٌ من الاتصال سواء كان إلى الراشدين أو إلى الأطفال ، غير أنّ لزومه لأدب الأطفال أشدّ ، لأن حوّاسّ الطفل شديدة الاستجابة لعناصر التجسيد . ولا شكّ أن أدب الطفل من الوسائل الثقافية والتربوية الهامّة التي ينبغي توظيفها بفعالية لتحقيق أغراض بيّنة ومحدّدة . وإذا كان البعض من الكُتّاب وكذا المهتمّين بأدب الطفل ما زالوا يعتقدون أن الكتابة للأطفال هيّنةٌ ، ليّنةٌ ، سهْلة المنال ..فإن هذا الاعتقاد خاطئٌ .. فمن المتّفق عليه أدبيا وتربويا أنّ ما يُكتبُ للطفل لا يكون للتسلية والاستمتاع الآني فحسب ، بل لتقديم خبرات وقيمٍ ومواقف سلوكية تُسْهم في تهذيب شخصيته وبلْورة سماته الذاتية والاجتماعية ، في إطار بناء الشخصية المتكاملة ..وذلك لأن كاتب ثقافة الطفل وأدبه هو مُــربٍّ شاء أم لم يشأ . وما يُقدم إلى الطفل من أعمال ثقافية .. أدبية لها أبعادٌ تربوية بما يتناسب مع طبيعة كلّ عملٍ شعري كان أم نثريٍ .

ثقافة الطفل مجالها واسعٌ جدّا ولا ينحصر في المصادر المعروفة عندنا كالأسرة ، المسجد ، المدرسة ، أدب الطفل بمكوّناته العديدة ، بل هناك المكتبات العامة والخاصة ، النوادي العلمية ،الجمعيات الثقافية والشبابية ، المتاحف ، وسائل الإعلام المختلفة ، قاعات تعلّم الحاسوب ، قاعات الإنترنيت ..ولكن انضافت هذه الوسائط والتكنولوجيات الحديثة ، فقلّبت عملية التنشئة والتثقيف رأسا على عقب ، ومكّنت الطفل من أن يكون مبدعا ، منتجا للثقافة ، مبدعا للنصوص ، متذوّقا للأدب والفنّ ، ناقدا ..

كيف يمكن لنا التعامل مع هذا الباحث الصغير ، مع هذا المبدع ؟ أمَا كان لنا من الأفضل له ولنا أن نطلّق تلك المقولة التي لا تزال تكبّلنا : بأن عملية التربية والتنشئة هي إعداد النشء للحياة المستقبلية ؛ لنحلّ بدلها مقولة : لنتركْ أطفالنا ينعمون بحياتهم الآنية ، فاتحين المجال أمامهم لاكتشاف المجاهيل دون خوْف عليهم من ناحية ، ودون وصاية تتّسم بالتسلط .

أنعتبر هذا المبدع الصغير متلقيا للمعرفة ونحن الذين نختار ونقرّر ؟ أم نعتبره مبدعا ومنتجا للثقافة بدوره ؟ ما هي المجالات التثقيفية التي نعتبره فيها متلقيا ، فنختار له نحن ما نراه أصلح له ولنا ؟ وما المجالات التي نراه فيها مبدعا وناقدا ومنتجا للثقافة ؟

لِنتحدّثْ قليلا عن هذه الوسائط التثقيفية العصرية والتي فتحت آفاقا معرفية واسعة أمامنا فاستفاد منها الطفل أيّما استفادة وجعلت منه في حالات كثيرة ليس المتلقّي الصغير للمعرفة فحسب ، بل المتلقّي والمنتج وحتّى المبدع.

الوسائط العصرية في تثقيف الطفل : تسهم تكنولوجيا المعلومات الحديثة بصورة فعّالة في إكْساب الطفل القدرة على توظيف معارفه عمليا .وكما هو معروف ن هناك فرْقٌ كبيرٌ بين تحصيل المعرفة وتطبيقها عمليا لحلّ المشاكل .فالعلم في أيامنا هذه ن هو ممارسة العلم .كما ان الثقافة هي الالتزام بسلوكياتها ، لا مجرّد ترديد مقُولاتها .



إن توظيف المعرفة يحتاج من المتعلّم أن ينْفُذ بصورة أعمق إلى هيكليتها الداخلية ، أي يجب أن يعيد بناء المعرفة من عناصرها الأولية . وهناك سوء فهم يردّده البعض في عالمنا العربي عن " ثقافة الصورة " على أساس أنها تعني عدم حاجتنا إلى التعامل مع النصوص ، وهو مفهوم خاطئ ، فما زالت النصوص وستظلّ أداة فعّالة للمعرفة الجادّة ، خاصّة في مجال العلوم الإنسانية التي يسودها طابع السرد .إن النصوص ما زالت هي الوسيلة الفعّالة لتناول الأفكار المجرّدة ، إلى الحدّ الذي جعل البعض يردّد الشعار المعكوس : " الكلمة خيرٌ من ألف صورة .[

إن حياة البشر تزداد تعقّدا يوما بعد يوم ، ونجاح الفرد في عصر المعلومات رهْنٌ بقدرته على مواجهة تعقّد الحياة من حوله ، سواء على المستوى الفردي أو الأسري أو الاجتماعي . لقد كان المتعلّم في الماضي يكفيه عددٌ محدودٌ من طرق التفكير كالتعليل ، والتسلسل المنطقي ، والتحليل المتتالي ، بدءا من الكليات وانتهاء بالعناصر الأولية ..الآن أمام الكمّ الهائل من الظواهر المعقّدة ، لم يعد هذا العدد القليل من أساليب التفكير كافيا ، ويجب أن يُزوّد المتعلم بعُـدّةٍ معرفية جديدة قد تُفاجئ المعلم عندنا في الجزائر ، والذي لا يزال في صراع مع صياغة الأهداف الإجرائية ، والتدريس بالكفاءات ، ويعرض عن وسائل التثقيف الحديثة ، ويتنكّر لفوائد الحاسوب لعجزه الفكري وجموده الذهني ، مردّدا بالمقابل : " لولانا لما قامت قائمة للمدرسة الجزائرية . كوّنا الأجيال وهي التي تتبوّأ أعلى المراتب في جميع المجالات ، داخل البلد وفي كل القارات ، وما كانت هذه الوسائط التثقيفية الحديثة موجودة . "

من جانب آخر فإذا كانت أغلب البرمجيات في هذه الوسائط التثقيفية الحديثة باللغة الأنقليزية ، فإن هناك جهودا صادقة ومخلصة في العديد من الدول العربية وخاصة دول الخليج في إعداد الكثير من البرامج التثقيفية للطفل باللغة العربية ، وبكل أسف في بلادنا ما زلنا بعيدين عن تلكم البرمجة أو حتى الترجمة…ذلك أن للغة الأم كما هو معروف دورا مهما في تنمية الفكر واستيعاب العالم من حولنا ؛ لذا هناك شقٌّ لغوي لكل من التحدّيات التربوية التي تواجه تربية عصر المعلومات ، فمعظم دول العالم تُولي اهتماما كبيرا للغاتها القومية في إطار تهيئة مجتمعاتها لمطالب عصر المعلومات .ونحن لا نزال نتأرجح بين الأخذ باللغات في سنّ مبكّرة أم نترك ذلك لمزاج النخبة السياسية .

فعالية وسائط التثقيف الحديثة

لئن كان الأمر واقعيا يتّصف بهذه النظرة ، فإنه لن يفتّ من عضدنا كي نتكلم عن ثقافة الطفل في شكلها التقليدي ، وشكلها الحديث ، وشكلها المعاصر من خلال الوسائط الجديدة ، وتكنولوجيا المعلومات التي إذا ما وُظّفت بوعي ، ووفق خطة تتماشى وخصائص مراحل نموّ الطفل ، ليس في المدرسة فحسب ولكن في كل ما له دوْرٌ في تنشئة الطفل في المجتمع ..من أجل معرفة :
- إيجابيات استخدام تكنولوجيا المعلومات في تنمية القدرات الذهنية .
- نجاعة الكمبيوتر أساسا بصفته أداة مثْلى لمواجهة ظواهر التعقّد ، بما يوفّره من إمكانات هائلة للسيطرة على الكمّ الهائل من البيانات والعلاقات .
- أسلوب البرمجة الذي يساعد على تنمية التفكير المنطقي المنهجي ؛ حيث تُعتمدُ البرمجة أساسا على تسلسل الخطوات ، وتحليل المشكلة إلى عناصرها الأولية . يتوفّر حاليا العديد من البرامج لتقوية ذاكرة المدى القصير والطويل .
- أن الألعاب الإلكترونية تساعد على تنمية التفكير المتوازي ، حيث يواجه الطفل اللاعبُ عدّةَ مواقف ، عليه أن يتعامل معها في ذات الوقت .
- أن تكنولوجيا المعلومات توفّر إمكانات عديدة لتجسيد المفاهيم المجرّدة ؛ حتى يسهل استيعاب الطفل لها .
- أن الإنترنيت توفّـر فضاءات رحبة في التعلّم والاكتشاف والتواصل مع الغير في مناطق أخرى من الكرة الأرضية ، وكذلك اختيار صحة الأفكار والفروض ، وإيجاد الحلول المختلفة للقضايا المطروحة ، وصياغة تلك الحلول بوسائل اتصالية مختلفة قد تكون لغة شفوية ، وقد تكون بيانية ، وقد تكون رسومية ، وقد تكون لغة مكتوبة . [
- استخدام تكنولوجيا المعلومات في تنمية مهارات التواصل .
- توفر العديد من مجالات التعليم وتعلّم اللغة الأم واللغات الأجنبية .
- تكوين وتثقيف الطفل في التعامل مع الرمزية والتشكيلية ، حيث تتيح تكنولوجيا المعلومات وسائل عديدة لعرْض تقنيات عديدة لقراءة الرسوم ، والخرائط ، وتنمية الإبداع والتذوّق التشكيلي والأدبي
- أن تكنولوجيا المعلومات توفّر وسائل عديدة لتنمية المواهب الفنية لدى الطفل في جميع مجالات الفنون : أدبا وتشكيلا وموسيقى .
- إتاحة شبكة الإنترنيت فرصة الإبحار عبر مواقع عديدة خاصة بالطفولة ، تزخر بنوافذ الثقافة العامة بما في ذلك مساعدة الطفل على المساهمة العملية ، وتغذية هذه المواقع بما عنده وبما جادت به قريحته .الطفل في هذه الحالات مبدع ، والإنترنيت يمكّنه من نشْر أفكاره .
- التوسّع في استخدام الكمبيوتر واستثمار تكنولوجيا المعلومات من شأنه شحْذ موهبة الطفل المبدع ، وتشجيعه على البحث والاكتشاف ، ومواصلة التجريب ، وإعادة المحاولة .

الطفل في كلّ هذه الحالات هو مبْحرٌ في تكنولوجيا المعلومات من خلال وسائطها المختلفة ، وباحث ومكتشف للمعرفة في إطارها المتجاوز لبيئته المحلية الضيّقة ، وهو مبدعٌ للحلول والأفكار ، بعبارة أوضح هو ـ منتجٌ للثقافة ـ قد يقول قائل : (( مهّلا يا هذا !.. لقد ذهبتَ بنا بعيدا ..تحدّثنا عن تكنولوجيا المعلومات ووسائط المعرفة الحديثة ، ومدارسنا تعاني الأمرّيْن في أغلب ولاياتنا ، مما يدفع في كثير من الأحيان المعلم أو المعلمة إلى شراء الطبشور من جيبه ..)) ، بلى ، هذا موجود ولا ننكره .. لكن بالمقابل تواجد الكمبيوتر ( الحاسوب ) آخذٌ بالتوسّع والاستعمال في مدارسنا في كل المراحل ، وإن كان نمط التفكير الأبوي لدى مربّينا الأُحادي لا يزال يُلْقي بظلاله على تقبّل الجديد ، أو تركه في متناول الأطفال .


لا بأس أن نتوقف قليلا هنا عند مَـنْ يقول : إن تكنولوجيات المعلومات ليست في متناول الجميع ، نظرا لارتفاع أسعار الأجهزة المتعلقة بها من ناحية ، وارتفاع أسعار الارتباط بشبكة الإنترنيت في بلادنا ، وانعدام النية الصادقة لدى أولي الأمر عندنا في استفادة المواطن العادي ، والطفل من هذه الفضاءات المعرفية الشاسعة من ناحية أخرى .وبالتالي فإن تكنولوجيا المعلومات ستجعل من الإبداع والتفتح على هذه العوالم الشيّقة الممتعة ( حكْرا على النخبة ) . في حين يرى المتفائلون أن التثقيف أخذا وعطاء ، والإبداع اللامحدود سيكون متاحا للجميع ، وسوف ينمو بصورة تلقائية وهذا ما نلاحظه عمليا في حياتنا . ومرّة أخرى ينطوي ذلك على تحدٍّ قــاسٍ للتربية عامّة ، وتربية الطفل العربي خاصّة في عصْر المعلومات ؛ في ضرورة تصدّيها لطبقية المعرفة .

إن مجال هذه التكنولوجيا الحديثة واسع ومعقّد وهو في اتساع مستمرّ متسارع ، نلاحظ ذلك في هذه الوسائل العديدة المختلفة الأشكال والوظائف التي تمتلئ بها المحلاّت المتخصّصة ..ما يهمّنا كمربّين وأولياء ما كان منها بسيطا وضروريا كالحاسوب مثلا ، ولا أحسب أن العديد من الأسر في عجْزٍ عن اقتنائه ..ولا في عجْز عن إنشاء مكتبة ملحقة به تتكوّن من تلك الأقراص المضغوطة التي بإمكان أي طفل ، حتى في الرابعة من العمر تشغيلها ..وهي متوفرة لكل المراحل الطفلية . موسوعات مختلفة …منها ما هو خاص باللغة العربية وآدابها ، وما هو خاصٌّ بالقرآن الكريم وعلومه ، وما هو خاصّ بالسيرة النبوية ، وما هو خاصّ بالعلوم الطبيعية والرياضيات ، وما هو خاصّ بتعلم اللغات الأجنبية ، وما هو خاصٌّ بجسم الإنسان وأجهزته ووظائفها ،وما هو خاصّ بالحيوان والطبيعة والعمران وما هو خاصٌّ بأدب الطفل ، وما هو خاصٌّ بالفن التشكيلي ، والموسيقى والألعاب الفكرية المختلفة . فضْلاً عن برامج كتابة النصوص ومعالجتها ، هذا المقام لا يسمح لنا باستعراض كل هذه البرامج التي لا تكلّف إلاّ النزر القليل ماديا .

أبعْـدَ استعراض هذه الفوائد الجمّة لهذه الوسائط المعرفية والتكنولوجيات الحديثة ، لا يزال التردّد والفكر الأبوي العمودي والأفقي يستولي علينا ؟

العديد من جمعيات الطفولة والمنظمات الكشفية ، ودُور الثقافة فتحت المجال واسعا للأطفال في التعامل مع هذه التكنولوجيات ، بما في ذلك الإنترنيت ، ورأينا بأم أعيننا أطفالا في مناطق عديدة من الوطن شماله وجنوبه ، اندمجوا مع هذه العوالم السحرية بثقة في النفس عالية ..تلاميذ في السنة الخامسة والسادسة من التعليم الابتدائي ، وطلاّب من مرحلة التعليم المتوسط ومن مراحل أعْلى ؛ يبحثون عن المعارف ، ويكتشفون ، ويبدعون في معالجة النصوص تارة مستعينين بغيرهم ، وتارات معتمدين على أنفسهم .بعْد لأي نجدهم يغادرون المكان وما بحثوا عنه بين أيديهم مطبوعا ، أو في أقراص مرنة يفتحونها في منازلهم ، أو في مدارسهم إنّ كانت تشجع على ذلك.

الأسرة ودورها في تربية الأبناء


بسم الله الرحمان الرحيم
إن وجود الأسرة هو امتداد للحياة البشرية، وسر البقاء الإنساني، فكل إنسان يميل بفطرته إلى أن يَظْفَرَ ببيتٍ وزوجةٍ وذريةٍ..، ولما كانت الأسرة اللبنة الأولى في بناء المجتمع لكونها رابطة رفيعة المستوى محددة الغاية، فقد رعتها الأديان عموما؛ وإن كان الإسلام تميز بالرعاية الكبرى، قال تعالى:(إنَّا عرضنا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ والجِبَالِ) جاء ضمن معاني الأمانة؛ أمانة الأهل والأولاد، فيلزم الولي أن يأمر أهله وأولاده بالصلاة، ويحفظهم من المحارم واللهو واللعب،لأنه مؤتمن ومسؤول عما استرعاه الله ومسألة الاهتمام بالأسرة من القضايا العالمية التي زاد الحديث حولها؛ لا سيما في العصر الحاضر، وذلك على مستوى الدول والهيئات والمنظمات الدولية،حيث تحاول كل منها إيجاد صبغة من عند أنفسها، من ذلك رفعها لشعارات الحريـة والمسـاواة ؛ ودعواها إلى نبذ الأسرة التقليدية وتطوير بنائها، أو دعوى تحرير الأسرة المعاصرة من القيود وتعويضها بعلاقات شاذة محرمة . وبالمقابل قام جمع من الكتاب في بيان المنهج الإسلامي في التربية وإِنَّ التأكيد على أهمية دور الأسرة في رعاية الأولاد، لمن أَجَلِّ الأمور،التي يجب أن تتضافر جهود الآباء والأمهات، وأهل العلم، والدعاة، والتربويين، والإعلاميين.. للمحافظة على بناء الأسرة الصالحة في المجتمع، فهي أمانة أمام الله-تعالى- نحن مسؤولون عنها، فالمرء يُجزى على تأدية الحقوق المتعلقة بأسرته، إِنْ خيرا فخير وإلا غير ذلك، قال تعالى (يأَيُّهَـا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَة). وانطلاقا من هذه الأهمية نتناول الحديث عن تعريف الأسرة، ومسؤولية الوالدين في تربية الأولاد، وبناء القيم والسلوك، وأهمية المعاملة الحسنة، ومخاطر تواجه الأسرة، وبعض التوجيهات للأسرة . أولا – تعريف الأسرة : قال ابن منظور: "أُسرةُ الرجل: عشيرتُه ورهطُهُ الأدْنَوْنَ لأنه يتقوى بهم، والأُسرةُ عشيرةُ الرجل وأهلُ بيته" وقد جاء في كتاب الله-عز وجل- ذِكْرُ الأزواج والبنين والحفدة، بمعنى الأسرة، قوله تعالى: (والله جَعَلَ لَكُم من أَنفُسِكُم أَزوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِن أَزَوَاجِكُم بَنِين َ وَحَفَدَة وَرَزَقَكُم مِن الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُم يَكْفُرُون)، يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله-: "يُخبر تعالى عن منَّتِه العظيمة على عباده،حيث جعل لهم أزواجا، ليسكنوا إليها، وجعل لهم من أزواجهم، أولاداً تَقَرُّ بهم أعينُهم ويخدمُونهُم، ويقضُون حوائِجَهم، وينتفعون بهم من وجوه كثيرة، ورزقهم من الطيبات من المآكل، والمشارب، والنعم الظاهرة، التي لا يقدر العباد أن يحصوها". ثانيا: مسؤولية الوالدين في تربية الأولاد: فطر الله -عز وجل- الناس على حب أولادهم قال تعالى : (المالُ والبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدنيا)، ويبذل الأبوان الغالي والنفيس من أجل تربية أبنائهم وتنشئتهم وتعليمهم، ومسؤولية الوالدين في ذلك كبيرة، فالأبناء أمانة في عنق والديهم، والتركيز على تربية المنزل أولاً، وتربية الأم بالذات في السنوات الأُوَل، فقلوبهم الطاهرة جواهر نفيسة خالية من كل نقش وصورة، وهم قابلون لكل ما ينقش عليها، فإن عُوِّدُوا الخير والمعروف نشأوا عليه، وسُعِدوا في الدنيا والآخرة، وشاركوا في ثواب والديهم، وإن عُوِّدُوا الشر والباطل، شقُوا وهلكُوا، وكان الوِزْرُ في رقبة والديهم، والوالي لهم ويمكن القول بأن للأسرة دورًا كبيرًا في رعاية الأولاد - منذ ولادتهم - وفي تشكيل أخلاقهم وسلوكهم، وما أجمل مقولة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- "الصلاح من الله والأدب من الآباء" . ومن يُحَلِّل شخصية صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله-، فإنه سيجد أن سر نجاحه وتميزه سببه التربية التي تلقاها في البيت وما أجمل عبارة : " إن وراء كل رجل عظيم أبوين مربيين"، وكما يقول بعض أساتذة علم النفس : "أعطونا السنوات السبع الأولى للأبناء نعطيكم التشكيل الذي سيكون عليه الأبناء". وكما قيل : "الرجال لا يولدون بل يُصنعون". وكما عبر الشاعر : وينشأُ ناشئُ الفتيانِ مِنا على ما كان عَوَّدَهُ أبُوهُ وإهمال تربية الأبناء جريمة يترتب عليها أَوْخَم العواقب على حد قول الشاعر:
إهمالُ تربية البنين جريمةٌ
عادت على الآباء بالنكبات
وأذكر قصة في جانب الإهمال، سرق رجل مالاً كثيرًا، وقُدّم للحد فطلب أمه، ولما جاءت دعاها ليقبلها، ثم عضها عضة شديدة، وقيل له ما حملك على ما صنعت؟ قال: سرقت بيضة وأنا صغير، فشجعتني وأقرتني على الجريمة حتى أفضت بي إلى ما أنا عليه الآن .
ثالثا- الأسرة وبناء القيم والسلوك : للوالِدَيْنِ في إطارِ الأسرة أساليبُ خاصة من القيم والسلوكِ تجَاهَ أبنائهم في المناسباتِ المختلفةِ، ولهذا فإن انحرافاتِ الأسرةِ من أخطرِ الأمورِ التِي تُوَلِّدُ انحرافَ الأبناءِ . فالتوجيهُ القيمي يبدأُ في نطاقِ الأسرةِ أولاً، ثم المسجد والمدرسة والمجتمع . فالأسرةُ هي التي تُكْسِبُ الطفلَ قِيَمَهُ فَيَعْرِفُ الَحقَ والبَاطلَ، والخيرَ والشرَ، وَهو يَتلَّقَى هذه القيمِ دونَ مناقشةٍ في سِنيهِ الأولى، حيث تتحددُ عناصرُ شخصيتِهِ، وتتميزُ ملامحُ هويتِهِ على سلوكه وأخلاقه؛ لذلك فإن مسؤولية عائلَ الأسرةِ في تعليمِ أهلِهِ وأولاده القيم الرفيعة، والأخلاق الحسنة، وليس التركيز فقط على السعيِ من أجل الرزق والطعام والشراب واللباس..، قال : "ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده، وهي مسؤولة عنهم" ، وكان يقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه -رضوان الله عليهم-:" ارجعوا إلى أهلِيكُم فأقيمُوا فيهم وَعَلِّمُوهم" يقول ابن القيم -رحمه الله-: "فمن أهملَ تعليمَ ولدِهِ ما ينفعه، وَتَرَكَهَ سُدى، فقد أَساءَ إليه غايةَ الإساءة، وأكثرُ الأولادِ إِنما جاء فسادُهُم من قِبَلِ الآباءِ وإهمالِهِم لهم، وتركِ تعليمِهِم فرائضَ الدينِ وَسُنَنَه، فأضاعوها صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسِهِم ولم ينفعوا آباءَهُم كِبَارا). وقصة الرجل مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، الذي جاء يشتكي عقوق ابنه إلى أمير المؤمنين، فطلب عمر: أن يلقى ابنه، فسأل الابن عن عقوقه لوالده، فقال: إن أبي سماني جُعُلاً، ولم يعلمني آية واحدة..؛ فقال عمر للرجل: لقد عققت ابنك قبل أن يعقك. ولذلك ينبغي تعويد الأولاد منذ صغرهم على بعض الأمور الأساسية، من ذلك: أ-الأمر باعتناق العقيدة الصحيحة : تعريف الأبناء بأهمية التوحيد، وعرضه عليهم بأسلوب مبسط يناسب عقولهم . ب-بعث روح المراقبة لله والخوف منه : بيان توحيد الأسماء والصفات، كالسميع والبصير والرحمن، وأثرها في سلوكهم . ج-الحث على إقامة الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم: "مروا صبيانكم للصلاة إذا بلغوا سبعا، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا، وفرقوا بينهم في المضاجع" د- التحلي بمكارم الأخلاق والآداب العامة . رابعا- المعاملة الحسنة في توجيه الأولاد : أمر الإسلام بالمساواة في المعاملة بين الأولاد في العطاء المعنوي والمادي، وأوصى بمعاملة الإناث كالذكور معاملة متماثلة دون تمييز للأبناء على البنات. لقد دعا الإسلام إلى إيجاد وسط مستقر ينشأ فيه الأبناء بعيدًا عن العقد النفسية والضغوط الاجتماعية، قال صلى الله عليه وسلم: "خيرُكُم خيرُكُم لأهلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهلِي)) وكان عليه الصلاة والسلام يمازح الغلمان "يا أبا عُمير، ما فعل النغير"؟ وتتباين معاملة الأسر لأولادهم في ثلاثة أنواع : النوع الأول : المعاملة القاسية : تتسم بالشدة في التعامل كالزجر أو التهديد أو الضرب بدون ضوابط أو حدود مشروعة، أو الإهمال للأبناء بحجة ظروف العمل، وكثرة الأسفار، فيحرم الأولاد من البر بهم والتعامل معهم . النوع الثاني : المعاملة اللينة : يُلَبَّى فيها كل ما يطلبه الأولاد، ويُطلق عليها "التربية المدللة" والإفراط في الدلال يؤدي إلى خلق شخصية فوضوية. النوع الثالث : المعاملة المعتدلة : تعتمد على المزج بين العقل والعواطف، وتوجيه النصح والإرشاد، وبهذا تتكون شخصية سليمة وصحيحة، وإذا لم يستجب الأولاد بالإرشاد والتوجيه يلجأ الأبوان إلى توبيخهم ثم هجرهم ثم حرمانهم من بعض الأشياء والأمور المحببة إليهم أحيانًا، وأخيرًا إلى ضربهم-إذا لزم الأمر- لإعادتهم إلى الطريق الصحيح، وهذا النوع من المعاملة هي المعاملة الصحيحة التي ينبغي أن تسير عليها الأسرة، يقول الدكتور أكرم ضياء العمري: "إن حب الطفل لا يعني بالطبع عدم تأديبه وتعليمه آداب السلوك الاجتماعي منذ الصغر، مثل تعويده على التعامل الحسن مع أصدقائه، وتعويده على احترام من هو أكبر سنا منه، وتعميق الرقابة الذاتية لديه، أي قدرته على تحديد الضوابط لسلوكه تجاه الآخرين ؛ فإذاً لا بُدَّ من التوازن بين التأديب للطفل والتعاطف معه، فكما أنه لا يصلح الخضوع الدائم لطلبات الطفل، إنه لا يصلح استمرار الضغط عليه وكَبْتِهِ، فالتدليل الزائد لا يُعَوِّدُهُ على مواجهة صعوبات الحياة، والضغط الزائد يجعله منطويا على نفسه مكبوتا يعاني من الحرمان". خامسا- مخاطر تواجه الأسرة : هناك مخاطر عديدة تواجهها الأسرة، ولا يمكن الإسهاب في تناولها، فنتناول أبرزها بإيجاز: أ-التناقض في أقوال الوالدين وسلوكياتهم : بعض الآباء والأمهات يناقضون أنفسهم بأنفسهم، فتجدهم يأمرون الأولاد بأمور وهم يخالفونها، وهذه الأمور تسبب تناقضا لدى الأولاد، فالأب الذي يكذب؛ يعلم أبناءه الكذب، وكذلك الأم التي تخدع جارتها بمسمع من بنتها تعلم ابنتها مساوئ الأخلاق. ب-الانفصام بين المدرسة والأسرة: الانفصام بين دور الأسرة في الرعاية والتوجيه، ودور المدرسة في التربية والتعليم؛ له آثار سلبية عديدة، ولذا ينبغي مد جسور التعاون بين الأسرة والمدرسة، وإيجاد جَوٍ من الثقة والتعاون في سبيل الرقي بالأولاد قدما نحو البناء والعطاء . ج-وجود المربيات والخادمات الأجنبيات : أصبح وجود المربيات والخادمات ظاهرة بارزة في المجتمع الخليجي، ولا شك أن وجود هؤلاء له آثار خطيرة في التنشئة الاجتماعية للأسرة، لاسيما هؤلاء الكافرات وذوات السلوكيات المنحرفة، لا بد أن تعي كل أسرة خطورة وأبعاد وجود الخادمات والمربيات الأجنبيات وتحذر من شرورهن. د-وسائل الإعلام : تؤكد نتائج الأبحاث والدراسات بما لا يدع مجالا للشك أن الطفل العربي المسلم يتعرض لمؤثرات خطيرة، وأن شخصيته وهي في مراحل تكوينها تخضع لضغوط سلبية متنوعة .. يقول شمعون بيريز-رئيس وزراء إسرائيل السابق-: "لسنا نحن الذين سنغير العالم العربي، ولكنه ذلك الطبق الصغير الذي يرفعونه على أسطح منازلهم". هـ- الفراغ وعدم الإفادة من الوقت : ينبغي أن يشغل الأبناء في أوقاتهم بالنفع والفائدة، يقول النبي ‘: (نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس، الصِّحة والفراغ ). فهناك الأعمال التي يسهمون فيها بمساعدة والديهم والبِرِّ بهم، ويمكن تعويدهم حضور مجالس الذكر وحلق العلم، وتلاوة القرآن الكريم، وقراءة قصص الصحابة والصالحين، أو الاستماع إلى الأشرطة النافعة وغير ذلك. وأخيرًا؛ أذكر مجموعة من التوجيهات التربوية الموجزة : 1-محاولة تخصيص وقت كاف للجلوس مع الأبناء، وتبادل الأحادبث المتنوعة: الأخبار الاجتماعية والدراسية والثقافية وغيرها . 2-التركيز على التربية الأخلاقية والمُثُل الطيبة، وأن يكون الوالدان قدوة حسنة لأبنائهما . 3-احترام الأبناء عن طريق الاحترام المتبادل، وتنمية الوعي، والصراحة، والوضوح. 4- فهم نفسية الأولاد، وإعطاؤهم الثقة في أنفسهم . 5-إشراك الأولاد في القيام بأدوار اجتماعية وأعمال نافعة . 6-قبول التنوع في اختيارات الأبناء الشخصية، كاختيار اللباس وبعض الهوايات..، طالما ليس فيها محاذير شرعية. 7-التشجيع الدائم للأولاد والاستحسان والمدح؛ بل وتقديم الهدايا والمكافآت التشجيعية، كلما قَدَّموا أعمالاً نبيلة ونجاحًا في حياتهم. 8-عدم السخرية والتهديد بالعقاب الدائم للأبناء، متى ما أخفقوا في دراستهم أو وقعوا في أخطاء من غير قصد منهم؛ بل يتم تلمس المشكلة بهدوء، ومحاولة التغلب على الخطأ بالحكمة، والترغيب والترهيب. 9-عدم إظهار المخالفات والنزاعات التي تحدث بين الوالدين أمام سمع أبنائهم . 10-الصبر الجميل في تربية الأبناء، وتحمل ما يحدث منهم من عناد أو عصيان، والدعاء بصلاحهم وتوفيقهم . ومن هنا أود التأكيد مرة أخرى، على أن دور الأسرة في رعاية الأولاد ؛ هو أقوى دعائم المجتمعِ تأثيرًا في تكوينِ شخصيةِ الأبناء، وتوجيهِ سلوكِهمِ، وإعدادهم للمستقبل .